رسالة مفتوحة من جمعيات وشخصيات تونسية بألمانيا إلى الرئاسات الثلاث
22-02-2016 21:03:49
وجهت هيئات من المجتمع المدني وشخصيات تونسية في ألمانيا رسالة مفتوحة إلى رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، تدعوهم لتحمل مسؤولياتهم التاريخية إزاء مستقبل الجاليات التونسية في الخارج. الرسالة تنبه إلى خطورة مشروع القانون المعروض على مجلس نواب الشعب.
وفيما يلي نص الرسالة
رسالة مفتوحة حول مشروع قانون المجلس الوطني للتونسيين بالخارج
شهدت السنوات التي تلت الثورة نقاشات مهمّة حول واقع الجالية التّونسيّة بالمهجر والمكانة التي يمكن أن تحتلها داخل المشهد السياسي التونسي. وقدّمت في هذا الشأن ورقات عديدة من طرف نشطاء وهيئات بالمجتمع المدني بالمهجر ترفض واقع التهميش الذي تعاني منه الجالية، وتطالب بالمكانة التي يجب أن تتبوأها كمكون أساسي من النّسيج الوطني وكعامل مهم يساهم في المجال الإقتصادي والسيّاسي، خاصّة أمام تزايد أعدادها والكفاءات التي تزخر بها.
إن مسلسل المشاورات الذي جرى خلال السنوات الثلاثة الماضية، وما طرح فيه من أفكار ورؤى متنوعة يبدو أنه ضٌرب عرض الحائط من طرف الحكومة، وبدل أن تتفاعل بإيجابية مع مخرجاته، خيّرت الإنفراد بإعداد مشروع قانون خاص بإحدث مجلس وطني يعنى بشؤون التونسيين بالخارج كما تراه يضبط مشمولاته وتركيبته وطرق تسييره ومن ثمّ عرضه في صمت على مجلس نواب الشعب دون إطّلاع أبناء الجالية على فصوله، وهو ما يعدّ انحرافا خطيرا عن التوجهات العامّة للدّولة في تكريس ثقافة الحوار والتشاور، ناهيك وأنّ الصيغة المقترحة لا تعدو الصيغة الأكثر ملاءمة للوضعية الراهنة وللديناميكية التي عرفتها الجالية خلال فترة المشاورات. وكان حريّا أمام هذا الوضع أن يتكفّل السيّد حاتم الفرجاني، النائب عن جهة ألمانيا، منذ استلامه مسودّة المشروع الرّجوع إلى هيئات المجتمع المدني وممثلي الجمعيات والتشاور معهم حول بنوده ونقل آرائهم إلى لجنة شؤون التونسيين بالخارج في مجلس نواب الشعب، المكلّفة بالنظر في مشروع القانون قبل عرضه على الجلسة العامّة، غير أنّ شيئا من ذلك لم يحدث، خاصّة وأنّ المشروع بصيغته الحاليّة يحتوي في بنوده على مواد لم تأخذ بعين الإعتبار تطلعات الجاليّة التونسيّة والإلمام بمشاغلها ومراعات خصوصياتها. ويمكن تلخيص هذه المآخذ والعيوب في النقاط التاليّة:
1ـ الصبغة الإستشاريّة للمجلس والتي نصّ عليها مشروع القانون (الفصل 1) يجعل أعمال المجلس مرهونة بقرار السلطة التنفيذية، لذلك كان من المفترض أن تكون للمجلس صبغة تقريريّة.
2 ـ اعتماد آلية التعيين (الفصل 8) في اختيار أعضاء المجلس يمسّ من استقلاليّة المجلس وقراراته ويجعله رهينة الحسابات الحزبية والظرفية المهيمنة في الحكومة.
-3- أن يكون في تركيبة المجلس (وهو هيئة استشاريّة) نواب المهجر (الفصل 7) لا ينسجم مع طبيعة مهامهم المخوّلة بمقتضى القانون داخل السلطة التشريعيّة، ناهيك وأن تواجدهم بقبّة البرلمان خلال المدّة المحدّدة دستوريا يجعلهم في انقطاع تامّ عن الجالية ومشاغلها خلال الفترة النيابيّة.
4- إن اختيار ممثلين عن منظمات وطنية دون أخرى، كما ينص عليه الفصل السابع، يجعلنا نتساءل عن المعايير التي يتم اعتمادها لاختيار ممثلين عن هذه المنظمة الوطنية دون أخرى، ومدى فائدتها ونجاعتها بالنسبة للجاليات التونسية ومشاغلها.
5 ـ لم يتناول المشروع الآليّة التي ستعتمد في اختيار الجمعيات التي ستكون في تركيبة الجلسة العامّة (الفصل 8) بما يجعل عمليّة الإختيار رهينة حسابات سياسيّة والحال أنّ المحدّد الوحيد لتقييم وزن الجمعيات وفاعليتها ومصداقيتها ومشروعيّة جماهريتها هم أبناء الجاليّة وحدهم. 6 ـ جاء (الفصل 20) غامضا وهو ما يجعل حلّ المجلس رهينة حسابات الحكومة القائمة، لذلك وجب تعديله على الصيغة التاليّة "يستمرّ المجلس في أداء مهامه المنوطة به، ولا يجوز حلّه أو وقف مهامه إلاّ بموجب حكم قضائي بات، وعند صدور حكم بحلّهتحال جميع أمواله ومكاسبه وأملاكه إلى الدّولة التونسيّة التي تتولى تنفيذ التزاماته وتعهداته طبقا للتشريع الجاري به العمل".
7ـ لم يتطرّق الفصل الثاني من مشروع القانون إلى المهام الحقيقيّة التي من المفترض أن يضطلع بها المجلس بما في ذلك الإسهام في رسم سياسة الدّولة بخصوص الهجرة والمهاجرين، وإعداد مشاريع القوانين المتعلّقة بشؤون المغتربين، وإبرام الإتفاقيات الثنائيّة ذات الصّلة بمصالحهم. والإعتناء بمصالح المهاجرين والدفاع عن حقوقهم. وإيلاء الأجيال الجديدة ما يلزم من الرعاية والإهتمام وإشراكهم في الشأن الوطني، والإحاطة بالطلاب وحلّ مشاكلهم وتأطير أصحاب الكفاءات المقيمين بالمهجر وتوثيق الصّلة بهم خدمة لمصلحة تونس وتحسين صورتها بالخارج.
إنّ طرحنا لهذه النواقص والإخلالات الواردة في مشروع القانون يدفعنا إليه حرصنا على تحسين أوضاع الجاليّة وتحقيق تطلعاتها والدفاع عن مصالحها وأهدافها، ولن يكون ذلك إلاّ ضمن صياغات تتلاءم مع متطلبات المستقبل وتستجيب لانتظارات أبناء الجاليات التونسية في الخارج. وهو ما يلقي على كواهلنا جميعا كتونسيين، مواطنين وحكومة وبرلمان وهيئات مجتمع مدني، مسؤولية إنجاح هذا العمل.
إننا نطالب رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب بتحمل مسؤولياتهم كاملة في العمل لإشراك التونسيين بالخارج في اتخاذ القرار ولتحقيق إستفادة قصوى من الطاقات البشرية الهائلة من المغتربين بما يساعد على تعزيز العلاقة بين المغترب والوطن الأم، فضلاً عن دوره كجسر لتعميق صلة الإرتباط وتمهيد الطريق نحو علاقات مثمرة ومتميزة يكون المستفيد الأكبر منها الوطن والمواطن.
ومن هذا المنطلق جاء حرصنا كذلك على تحميل المسؤوليّة للبرلمان ممثلا في السيّد حاتم الفرجاني نائب المهجر عن جهة ألمانيا، عن هذا التراخي في التعامل مع قضيّة مهمّة تتعلّق بهيئة معبّرة عن هموم الجاليّة وتطلعاتها، حتّى يساهم الجميع في تقديم رؤية وطنيّة نابعة من روح المسؤولية لهذه الأعداد الكبيرة من المغتربين، نحسب أنّها قد تساعد على تأسيس إطار قانوني جامع يمكِّن من المساهمة في تدبير شامل لكلّ القضايا المتعلّقة بالهجرة والمهاجرين.
إنّنا بحاجة والحال أنّ المشروع مازال لم يعرض على الجلسة العامّة إلى مزيد تفاعل كلّ الطاقات والكفاءات المهجريّة حتّى لا يؤخذ بالمشروع بعيدا عن الحلم الذي رسمناه معا.
والسلام
أسماء الجمعيات والشخصيات الموقعة على الرسالة:
جمعية مساعدة تونس، كولونيا،Tunicare
المؤسسة المغاربية الألمانية للثقافة والإعلام، بون، MagDe
جمعية الاتحاد العام للتونسيين بألمانيا، دوسلدورف، GUTD
جمعية الملَكين، بون، Engel²
الدكتور محمد تركي، مفكر، أستاذ الفلسفة بعدد من الجامعات الألمانية