بانوراما



الفارسي: من الخطأ التعامل من منطلق ديني في بلدان ذات طبيعة مدنية

21-10-2016 23:47:46

يرى الإعلامي عبد الرحيم الفارسي، ان إضطلاع الإعلاميين من أصول مهاجرة بدور استراتيجي في الحوار بين أوروبا والعالم العربي/الإسلامي، يقتضي رفع عدد من التحديات والعوائق التي تواجههم في مجال الإندماج بالمجتمعات الأوروبية، وبأن إحدى أهم تلك العقبات تكمن في منهجية تعامل بعض مكونات الجاليات المسلمة في أوروبا مع المشاكل التي تواجهها سواء في الإعلام أو المجتمع أو الدولة من منطلق ديني في بلدان قائمة على أسس مدنية..في مداخلته في ندوة دولية نظمتها MagDe بالتعاون مع ISESCO حول موضوع"دور الإعلاميين من أصول مهاجرة في الحوار بين أوروبا والعالم الإسلامي"التي عقدت يومي 16 و17 سبتمبر 2016 في كولونيا بألمانيا، يشخص الفارسي أهم تلك العوائق ويقترح بدائل ...

 

أستهل مداخلتي هذه بالتذكير بأن الإعلام في البلدان التي تسمح بحرية التعبير ليس إعلاما مطلق العواهن كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هو إعلام يحاسب أصحابه والعاملون فيه عن كل كلمة أو صورة او تعليق، أمام القانون وأمام الرأي العام والمنظمات المدنية التي لا تتسامح مع أي خطأ أو تشويه للوقائع أو محاولة لطمس الحقائق أو عرقلة عمل القضاء.

إذن نحن أمام فضاء إعلامي تحكمه جملة من المعايير الصارمة التي تحمي المجتمع والدولة، وتسمح في الوقت ذاته بسلاسة تداول المعلومة وحرية حصول الإعلامي والمتلقي، في نطاق ما تسمح به مصالح الدول ودون خوف من الاعتقال أو القمع في حال احترام هذه المعايير.

لقد استغرق كفاح الصحفيين والمجتمعات الغربية عدة عقود من أجل إحداث توازن بين حرية الصحافة و حقوق الأطراف الأخرى، إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه من مستوى تحولت فيه الصحافة عموما إلى سلطة رابعة حقيقية يضرب لها السياسيون والأمنيون وكافة المؤسسات ألف حساب.

تماما مثلما أصبحت هذه الصحافة تراعي حقوق مختلف مكونات المجتمع والدولة، بما في ذلك الأقليات الدينية والعرقية والفئوية وحتى ذوو الميولات والشهوات الشخصية.

لقد شهدت العقود الأخيرة تركيزا من وسائل الإعلام في الغرب على تصرفات وفتاوى وتصريحات الكثير من التنظيمات المسماة بالإسلامية، وكذلك بعض الدعاة وخطباء المساجد في الدول الأوروبية، الذين ينطقون بما يخالف القوانين المعمول بها في هذه البلدان، وبما يثير سخط شرائح من المجتمع ومن التنظيمات السياسية او اللوبيات المعادية، التي تقع أحيانا في الخلط بين الأفكار والتصرفات الشاذة، وبين أتباع الدين الإسلامي الذين أصبحت أعدادهم بالملايين، إلى الحد الذي أصبح معه الإسلام الديانة الثانية في أوروبا الغربية.

 يمكن ومن خلال تجربتي الممتدة على مدى ما يقارب العقدين من الزمن في الديار البريطانية، أن أعتبر أن يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 منعطفا فارقا في نظرة الغرب عموما إلى المسلمين، سواء منهم الضيوف أو المتجنسون أو حتى من اعتنقوا هذا الدين من السكان الأصليين.

لقد اعتبر الكثير من الغربيين أن اعتداءات نيويورك وواشنطن كانت هجوما من الإسلام على الغرب المسيحي، وبالتالي جرى الربط تلقائيا في الكثير من الأحيان بين هذا الدين وتصرفات بعض معتنقيه، ومع توالي السنين زاد تكريس هذا النظرة بتنامي الاعتداءات والهجمات التي حدثت في بقاع أوروبية شتى وكان منفذوها يحملون أسماء عربية وإسلامية لا غبار عليها، أو بالهجمات الارهابية التي لا يكاد يمر يوم واحد دون ان تحدث في الرقعة الارضية الممتدة من الأطلسي غربا إلى باكستان وما بعد باكستان شرقا.

لكن هل يعني هذا أن الدول الأوروبية أصبحت مكانا لاضطهاد الأقلية المسلمة؟؟

الجواب هو لا وبدون تردد.

نحن نعيش في بلدان يحكمها القانون الذي يسلط سطوته على الجميع، وكل من سارعت بعض المؤسسات التنفيذية إلى هضم حقوقه، فإن القضاء حتى وإن اتسم عمله في بعض الأحيان بالبطء، فإن ضميره المهني والنزيه والصارم يبقى مسلطا على رقاب الجميع دون استثناء.

لنرى مثلا ما حدث مع عدد من الدعاة المثيرين للجدل في بريطانيا، لقد أتعبوا الحكومة ومرغوا كرامتها في قضايا ظلت تتداولها ردهات المحاكم لسنوات طوال، وتكبدت أثناءها خزينة الدولة الملايين من الجنيهات الاسترلينية، وفي الختام صدرت أحكام كانت في غالبيتها لفائدة بعض المتشددين، لأن القضاة رأوا أن الأدلة المقدمة أمامهم ليس فيها ما يكفي لإقناعهم بإدانة المشتبه بهم، ناهيكم اعتماد ما يسمى بالتمييز الايجابي لبعض الأقليات.

ومن خلال عملي في مؤسستي بي بي سي وسكاي نيوز الإعلاميتين الضخمتين في لندن، أستطيع أن أؤكد أن التعاطي مع الشأن الإسلامي يخضع تماما للمقتضيات المعمول بها في معالجة الملفات الإعلامية الأخرى، من تحر للدقة في استيقاء الأخبار وغربلتها وتمييز الغث فيها من السمين، والتوازن في مناقشة الأمور التي تهم المسلمين أو بعض المنتسبين إلى هذا الدين، والحياد في التطرق إلى ما يوصف بالإرهاب الذي يرتكبه مسلمون، ناهيكم عن السعي الحثيث لعدم السقوط في مطبات التحريض على المسلمين خلافا لما شاهدناه في بعض القنوات عقب اعتداءات شارلي إيبدو وهجمات باريس ونيس، وما رافق ذلك من تجييش عاطفي وإلصاق تعسفي من قبل بعض ممن يوصفون بالمفكرين أو المحللين السياسيين، وهم يظلون فئة محدودة العدد ويخضعون مع مرور الأيام للمحاسبة البَعدية أو الاستبعاد والتهميش.

 

إنه من بين الأخطاء التي يقع فيها بعض الإعلاميين من ذوي الأصول المسلمة، تعاملهم من منطلق ديني أحيانا في بلدان هي في الواقع ذات طبيعة مدنية، قوامها المواطنة المتساوية وليس التفريق الظاهر بين الناس. وفيصلها القانون.

لا أحد يفرض علينا هنا في أوروبا أن نساير هذا الموقف أو ذاك، ولا أحد من حقه أن يصادر حقنا في التعبير المسؤول عن آرائنا التي ينبغي أن لا تتعارض مع القوانين المعمول بها، ولا أن تستفز مشاعر مكونات مجتمعية أخرى. لكن للأسف حينما أتابع في القنوات أو حتى المواقع الإخبارية والصحف الرئيسية، أجد الأسماء المسلمة قليلة، وفي البرامج الحوارية غالبا ما يكون المتدخلون من خلفيات مسلمة إما ضعيفي الإلمام بالمواضيع التي يناقشونها، أو يغلب التحليل العاطفي السطحي على مقولاتهم، كما أن غالبيتهم العظمى غير متمكنة من لغات البلدان التي ينتمون إليها. وهذا لعمري جزء من معضلة عدم الاندماج الإيجابي، هذا الاندماج الذي مكن تجمعات دينية وعرقية وإثنية أخرى من إيجاد مواطئ أقدام لها في البلدان الأوروبية، والتأثير في صناعة الرأي العام تجاهها، بينما نجد أعدادا هائلة من المسلمين يعيشون بأجسادهم في أوروبا، وتظل عقولهم وسلوكاتهم حبيسة حنين زائف إلى أوطان وثقافات ربما لن يعودوا إليها أبدا. وبالتالي فلا هم مواطنون أوروبيون، ولا هم وأبناؤهم بقوا في بلادنهم الأصلية. والنتيجة المروعة في بعض الحالات الميسؤوس منها، نراها متمثلة في آلاف من شباب الأجيال الحديثة من مسلمي أوروبا الذين انتهى بهم المطاف مسلحين في خدمة تنظيم نشر القتل والدمار أطراف من سورية والعراق، وأنزل بسمعة الإسلام خسائر ما كان يحلم بها حتى ألد خصوم هذا الدين وأشدهم عداء له.

 عبد الرحيم الفارسي، كبير مراسلي قناة سكاي نيوز  في أوروبا، رئيس تحرير مناوب سابقا في بي بي سي،..إعلامي بريطاني مغربي 

 

حقوق النشر: المؤسسة المغاربية الألمانية للثقافة والإعلام

MagDe

http://www.mediamagde.com/de/galery/20


Copyright © 2024 MAGDE / All rights reserved.