بانوراما



"ياااااااااربي ما يكونوشي مغاربة"...انطباعات مدونة مغربية ألمانية عن أحداث كولونيا

31-12-2016 22:22:25

مر عام على أحداث الاعتداءات الجنسية في مدينة كولونيا ليلة رأس السنة الميلادية الماضية..هذه الأحداث كان لها وقع سلبي كبير في المجتمع الألماني، نظرا لفداحتها كإعتداء جسيم على قيم المجتمع وكرامة المرأة.. تداعيات أحداث كولونيا كانت سلبية على صورة الشباب المغاربي في ألمانيا..

مريم عرجون ***مدونة شابة ألمانية من أصل مغربي، تكتب انطباعاتها عن الحادث الذي ما تزال تداعياته متواصلة في ألمانيا:

"ياااااااااربي ما يكونوشي مغاربة"... هكذا حدثت نفسها إحدى صديقاتي والتي تعمل كمستشارة في مجال المعلوميات للشركات هنا في ألمانيا، بعدما سمعت أول مرة عن أحداث شارلي إيبدو، بعدما تعبت عبر يومياتها في العمل مع الألمان وفي مدن عدة نظرا لتنقلها، من أن توضح لهم موقفها الرافض لكل ما يحدث في العالم من أعمال العنف والإرهاب، التي تتبناها الجماعات الإسلامية المتطرفة أو من كان مسقط رأسهم دول عربية و إسلامية.

نفس الشعور سينتابني أنا بدوري ويكون أول ما خطر في ذهني بعد العودة من السفر والسماع عن أحداث التحرش الجماعي في كولونيا: "ياربي، مايكونوشي مغاربة". وبإقتراب حلول العام الجديد أصبح العديد منا يقول: اللهم أمضي هذا العام على خير.

عندما وقعت أحداث كولونيا كنت مسافرة آنذاك، لذلك لم أتلق أول جرعة من الفاجعة. لكن بعد العودة ومباشرة العمل و الدراسة، سمعت أول إنطباع عن هذه الأحداث في أول إجتماع حول طاولة التحضيرات لعرض الأزياء المقبل، بعدما سأل كل منا الآخر عن كيف وأين قضى عطلة رأس سنة، ليبدأ الحديث مباشرة عن أحداث كولونيا.

أتذكر عندما قالت إحداهن بنبرة تملؤها حيرة: ماذا يريد هؤلاء منا، ليدعونا نعيش كما نريد وليذهبوا لأوطانهم بعقدهم. ليقول الآخر أنه وبسبب هؤلاء اللاجئين وهؤلاء الإرهابيين المسلمين ما عدنا نستطيع العيش في أوطاننا سالمين. فما أدراكم أن لا يقتحم علينا أي معتوه منهم قاعة العرض ليلة عرض الأزياء كما حدث في باريس. كما يمكن لأي معتوه الآن أي معتوه الإتصال بالشرطة والقول بان هناك متفجرات في مكان ما، لكي لا نخرج من بيوتنا أبدا.

لتسأل صديقة أخرى وهل تأكدوا من جنسياتهم؟ فيجيبها: يقولون من شمال إفريقيا أو كما يسمونهم "مغاربيون". ليدور في ذهني "لقد بدأنا... المغاربة مجددا". لكنني فضلت يومها أن أظل صامتة لأنني مللت. فلست مسؤولة عن تصرفات أي أحد ولست مسؤولة عن مشاكل العالم، كما أنني سئمت من مبالغة الإعلام هنا وفي كل شيء بخصوص المسلمين والعرب.

انصرفت عن الجلسة وأنا أفكر في مصطلح "المغاربيون". هذا مضحك و مستفز لأن في المغرب عندما يحدث شيء كهذا يقال "إقترف المنحرفون" و ليس "اقترف المغاربة" فهو كيفما كانت جنسيته منحرف. وأبعد من ذلك، فمنذ أن وعيت في الدنيا و أنا أعرف المغرب وسافرت في العديد من مدنه، لم يحدث لي أي مضايقة، ولم يتجاوز الأمر يوما عن معاكسات ساذجة ومضحكة هي في الغالب من المراهقين وطبعا بشكل محدود جدا و ليس دائما.

نعم، هناك من يعيش وهم التحضر بالإنحلال الثقافي إن لم يكن الديني هنا في ألمانيا، وهناك من يحمل عقدة التحلي بالتحضر، كقصة شابة من المغرب تزوجت من مغربي مهاجر، إتفق معها فور وصولها إلى ألمانيا، بأن لا تقول أبدا أنها زوجته وإنما صاحبته(صديقته)، وأن لا تناديه أبدا باسمه (بلال) وإنما (بلي)، لأنه لا يريد أن ينظر إليه كمتخلف...لكن عودة إلى ما حدث في كولونيا. هناك فئة من شباب العرب يحتاجون إلى إعادة تربية إن لم نقل إلى أن يولدوا من جديد، و أنا كمواطنة ألمانية عرفت ألمانيا قبل وبعد قضية اللاجئين، بدأت أشعر بالتغيير في المناخ العام والإحترام في الأماكن العامة. لكن أيضا ليس كما يصوره الإعلام، فهم غالبا ممن يتوخون الحذر و يحاولون إستدراج العطف لا السخط لينعموا بالسلام والأمان الذي قدمه لهم البلد المستضيف ألمانيا.

أتذكر حوارا دارا بيني و بين إحدى صديقاتي - يونانية ألمانية- حيث قالت لي وهي تشتعل متذمرة: "أريد طائرة أن تأخذني من هذا البلد الذي يتفشى فيه النفاق... وأن لا أعود إليه أبدا". تنتقد صديقتي أوضاع وسلوك بعض النساء الألمانيات، في البلدان السياحية التي يقصدنها، مثل اليونان وتركيا وإيطاليا..كما تنتقد أوضاع النساء في ألمانيا، ومظاهر استغلال المرأة في سوق العمل، ومظاهر"الانحرافات" الاجتماعية و"تدهور المستوى الأخلاقي" في أوساطهن، كما ترى..وتقول "لذلك أنا أفكر في إعتناق الإسلام لربما وجدت قليلا من إحترامي كإمرأة لها الحق في إختيار أن تكون إمرأة و ليست آلة أو بضاعة". تذهب صديقتي اليونانية الألمانية في تذمرها من النساء الألمانيات، إلى حد إلقاء اللوم على طريقة إحتفال الفتيات في ساحة المحطة الرئيسية للقطارات بكولونيا ليلة رأس السنة..لم أناقشها طويلا لأنني غير ملمة بالحالة التي كانت عليها النساء في تلك الليلة، وحتى لو كن ثملات، أو كان لباسهن متحررا و"غير لائق"، فليس لأي أحد الحق في الإقتراب منهن، بالإضافة إلى أنني لا أتفق مع صديقتي فيما يتعلق بخصوص أوضاع النساء الألمانيات. وحتى إن كانت إمرأة تذهب إلى مكان سياحي معين بحثا عن الجنس فلا يحق أن يطلق أحد عليها صفة "منحرفة"، لأنها ليست لديها عقلية الإنحراف وإنما هي تتصرف من منطلق الحرية الشخصية.. وهنالك اختلاف جوهري في النظرة للموضوع، فهذه المرأة في هذه الحالة هي تختار مع من تتحدث أو تعاشر..تماما كفكرة بعض البرامج الإندماجية التي صورتها بعض الكاميرات التلفزيونية في بعض الكامبات(مركز لإيواء اللاجئين) هنا، والتي قد يفهمها البعض على انها "انحراف بلا حدود"..

يتعلق الأمر بعرض صور متنوعة تعرض مشاهد من حياة التحرر في ألمانيا، مثلا شابة و شاب وهما يقبلان بعضهما في مكان عام، مثلي جنسيا رفقة صاحبه، فتاة بزي السباحة(بيكيني) تأخذ حمام شمس في إحدى الحدائق العامة، إلى آخره من المشاهد، التي يتم عرضها ضمن البرنامج على عدد من الناس في الشارع، ليسألوهم عن آرائهم فيها. فإن أبدوا الإعتراض أشير إليهم بالخطأ، أنتم في هذه الحالة لا رأي لكم فهذه حريتهم وهذه حياتهم الشخصية، مؤكدين لهم على المبادئ الأساسية في التربية الإجتماعية. أولادكم لا تضربوهم، لا تسألهم عن حياتهم الجنسية ولا تأمرهم بالإنتماء الديني. نساؤكم لا تسألوهن أين ذهبن، لا يجب أن يبقوا في البيت فقط...ورسالة للأولاد "إن ضربك إحدى والديك فأحضر له الشرطة"..

الرسالة بإختصار شديد: على من يأتي إلى ألمانيا أن لا ينسى أبدا أن ألمانيا بلد القانون، وهي تقول للجميع من أراد زيارتنا واللجوء إلينا مرحبا به، لكن يجب أن يحترم قوانين البلد و أعرافه و إن خالفتكم.

قضية كولونيا هي مختصر لمجتمع متحرر حدوده ما نصه القانون و الدستور، وعقلية إعلامية منحازة، و نماذج دخيلة على المجتمع، تحتاج إلى إعادة النظر في مفهوم الرجولة و التحضر أولا، والحرية ثانيا. وما حدث ليلة رأس سنة يمكن أن يحدث في أماكن كثيرة، الفرق هنا هو فداحته والعدد الكبير من النساء اللائي تضررن منه، ثم إختيار تسليط أضواء الإعلام عليه. وما تعرضت له نساء ألمانيات ليلتها ليس مغايرا عن ما يحدث للمسلمات بشكل أو بآخر، آخرها تلك الشابة التي قامت مجموعة من الصيع برميها من فوق الدرج في إحدى المحطات في برلين مما سبب لها إصابات خطيرة.

ولازلت أذكر أنني وقفت مرة في موقف للحافلات أنتظر، ليأتي أحدهم و يقف أمامي وهو يردد بصوت مرتفع "بغيدا...بغيدا..". أهلا بنا في زمن التطرف... و كل عام و أنت بخير يا كولونيا.

 

*** المقال يعبر عن وجهة نظر شخصية لكاتبته، ولا يعبر عن وجهة نظر  موقع mediamagde.com


Copyright © 2024 MAGDE / All rights reserved.