الهجرة والإندماج في ألمانيا..أسئلة العقل وعلاج الروح والجسد
06-05-2017 00:00:00
من دوسلدورف كتبت مريم عرجون تقريرا حول الحوار الذي دار في أمسية حفلالإستقبال السنوي لجمعية "Zukunft Plus"، حول قضايا الهجرة والإندماج . كما ينقل التقرير الأجواء الفنية التي تميزت بها الأمسية.
أقيمت بمدينة دوسلدورف الألمانية يوم 29 أبريل 2017 أمسية ثقافية نظمتها جمعية "Zukunft Plus"بعنوان "معا نؤسس مجتمعنا". شارك في الأمسية نخبة من نشطاء المجتمع المدني والمهاجرين وخبراء ألمان متخصصون في مجال الهجرة و الإندماج، بالإضافة إلى مهتمين ومتطوعين في مؤسسات اللجوء والتعليم.
أدار الحوار في الأمسية مستشار وزارة الداخلية لشؤون "مؤتمر الإسلام" الألماني، الخبير سامي شرشيرة، وافتتحت الأمسية بمعزوفة بيانو للشاعر والفنان ذو الأصول الأفغانية الدكتور فريد زياعي.
مواطنون من درجة ثانية؟
وفي مداخلة رئيسية للبروفسورة والدكتورة زابينه دامير غايلزدورف رئيسة قسم الدراسات الشرقية بجامعة كولونيا، قالت إن مجمل عدد المهاجرين في ألمانيا هو حوالي تسعة ملايين، منهم حوالي مليون ونصف من الأتراك، وقالت إن دراسات تشير بأن من بين كل خمسة أفراد هنالك شخص واحد من جذور مهاجرة.
وأضافت أن مصطلح المهاجر هو في حد ذاته إشكالية، فهو غير مرتبط بجنسية معينة وإنما هو يرمز إلى كل الأشخاص الذين هاجروا إلى ألمانيا بدأ من عام 1950، إضافة إلى مهاجري الجيل الثاني والثالث الذي يشملهم هذا الوصف رغم ولادة وترعرع هذه الأجيال في بلد الإقامة. ونوهت البروفيسورة كايلزدورف بأنه علينا جميعا كأفراد ومؤسسات أن نحاول سوية تفادي أخطاء الماضي التي تعرض لها مهاجرو الستينات والسبعينات، الذين لم يتلقوا أي دعم ثقافي وعلمي يؤهلهم للإنخراط الإجتماعي والسياسي، وتم تركهم لحالهم يتخبطون وتحت طائلة الإستغناء عنهم في أي وقت أو ترحيلهم.
وتطرقت الباحثة غايلزدورف إلى إزدواجية المعايير لدى البعض في تصنيف المهاجرين، فالمهاجرون من الدول المسلمة يتم تعريفهم بالمسلمين بينما المسيحيين لا يتم الاشارة إلى خلفيتهم الدينية. وأشارت بأن تعرض العديد من المهاجرين إلى التمييز العرقي والديني أو بسبب الإسم، كان سببا في جعلهم ينفرون من مجتمع بلد الإقامة والذهاب للبحث عن الهوية المفقودة في ثقافات وحضارات أخرى.
وفي ردها على سؤال طرحه الخبير شرشيرة: لماذا لا نستطيع الخروج من هذا التصنيف الذي يحاصرنا سياسيا وإعلاميا، وحتى حين يعترف بنا يظهر تصنيف باعتبارنا ألمان مختلفين؟ أجابت البروفيسورة غايلزدورف بأن"الإنسان بطبعه لا يستطيع تقبل ما هوغريب عنه حتى وإن لم يعد كذلك. لا يوجد مجتمع عنصري بشكل تام، لكني معك بأن الأمر أصبح مرتبطا بشكل أو بآخر بمجتمعنا هنا في ألمانيا. سواء عبر ملاحظات متعلقة بالمظهر الخارجي أو بسبب المصطلحات الحديثة مثل "نافريس")مصطلح مختصر بالألمانية لأشخاص من شمال افريقيا ذوي سوابق إجرامية)، ولا أظن أنه أمر سياسي". من جهته قال المتحدث بإسم المعلمين وحوار الأديان الأستاذ علي باش ذو الأصول التركية: أنه أصبح من السهل على العديد أن يصنف أي أحد و كيفما شاء، بينما الأمر لمن هم مثلي ممن يحملون أربع أو أو خمس خلفيات ثقافية مختلف تماما.
عوامل محددة في الإندماج
وطرح الخبير شرشيرة سؤالا على الناشطة في المجتمع المدني كريمة بن ابراهيم ذات الأصول المغربية، حول مفارقة مفادها أن تتمكن سلطة خارجية من التعامل مع هذه الإشكالية أفضل من دولة الإقامة، مثلما هو الأمر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي نجح في وضع قواعد تمكن المهاجر التركي من المشاركة في الحياة السياسية التركية من ألمانيا، بينما هنا (في ألمانيا) هم عاجزون عن ذلك، قالت بن ابراهيم : إنَّ "أردوغان في حد ذاته هو مادة معقدة، وأن إشكالية ما حدث مع الأتراك تخضع للشباب والأتراك الذي يعيشون هنا. ولا أظن أن من صوتوا له (من ألمانيا) على دراية كافية بما يفعلون، إلاَّ أنهم وجدوا فيه رمزا سياسيا يعبر عنهم وعن الهوية الوطنية التي يفتقدونها هنا".
واستنتجت بن ابراهيم بأن ذلك يدل على أنّ ألمانيا هي دولة وطنية تقوم على مبدأ "أنتم ونحن". وأوضحت "مثلا دراستنا للتاريخ توقفت عند الحقبة اليهودية وما يخص ألمانيا بينما التاريخ فيه أزيد من 4000 آلاف سنة وهي عصور كلها تستحق الدراسة. وهذا يجعلنا نتطرق وبجدية لسؤال لماذا يخضع عملنا معا هو خاض لمنطق أنتم ونحن، ليس فقط كمؤسسات وإنما سياسيا أيضا".
وبرأي رئيس جمعية "Zukunft Plus" مصطفى بوكلاوا ذو الأصول المغربية، فان التعليم و المستوى الثقافي للفرد هي من أهم عوامل المشاركة الإجتماعية تخضع، وأوضح "كلنا نعلم أنه كل ما زاد تحصيلك العلمي زادت فرصتك في إعتلاء المناصب الفعالة، وطبعا لمن لم يحالفه الحظ في ذلك عليه أن يرى الأمور من منظور آخر، و أن يحاول تطوير إمكانياته بشكل شخصي لكي تٌتاح له فرصة المشاركة".
وحول سؤال: أين تذهب كل الجهود والنفقات المخصصة لقضايا الهجرة والإندماج، قالت غايلزدورف أن المشكلة الأساسية تكمن في "مع من نتواصل في هذا الإطار فالمفاهيم تتطور عبر الحوار". وأضافت أن"الجهود مستمرة والأموال موجودة وهناك مؤشرات جيدة نراها عبر منتديات والدورات التعليمية و إنخراط الألمان الحقيقيين في هذا الميدان وأعتقد أننا في الطريق الصحيح".
في المقابل أوضح رئيس جمعية "Zukunft Plus" أنه على المنخرطين ومؤسسي الجمعيات معرفة أهدافهم الحقيقية في هذا الميدان. وهل هم موجودون فقط ليكون لهم وجود أم ليكونوا على تواصل مع الآخر.
هل هنالك تمييز في ألمانيا؟
وفي سؤال حول مؤشرات التمييز أو العنصرية في أداء المؤسسات، لاحظت كريمة بن ابراهيم أن هذا الموضوع صعب التحديد، ولكن يمكن الحديث عن معوقات. وأوضحت "إذا ماتحدثنا عن عنصرية قد تواجهنا في الحياة اليومية، فمثلا سيدة لا تستطيع العمل فقط لأنها محجبة، أو شخص لا يجد سكنا بسبب إسمه الأجنبي". وأضافت أن إشكاليات وأسباب ظاهرة العنصرية متعددة، كما أن حركة اللجوء هي في الأساس حركة هجرة، وهي تأتي في مرحلة يعيش فيها المجتمع تحديات وتحولات.
وبرأي الخبيرة الاجتماعية كريمة بن ابراهيم فان مشهد جمعيات المهاجرين أصبح متنوعا كثيرا، اذ نجد جمعيات يحاول أصحابها الحفاظ على لغتهم الأم وجميل أن يكون لدينا هذا التنوع، لكن علينا التركيز على ما يمكن فعله. لكنها لاحظت أن بعض جمعيات المهاجرين يميل أعضاؤها إلى الإنطواء الذاتي. وهنالك ظاهرة جمعيات جديدة يؤسسها جيل ولد في ألمانيا وهو من أصول مهاجرة، ولغته ألمانية، ويطلقون على أنفسهم أنهم يجسدون "ألمانيا الجديدة".
علاج الروح والجسد
وإختتمت الأمسية بلوحة فنية عبر الرسم بالرمال للفنانة الأوكرانية الألمانية نتاليا موروزوف بعنوان الهجرة، وحلقت بالحضور عبر صورها الإبداعية في عوالم الحرية والهجرة والمرأة، حيث بدت الإشكاليات المستعصية على الخبراء، وكأن عٌقدها تتفكك الواحدة بعد الأخرى بأنامل الفنانة موروزوف ورمالها وهي تذروها على لوحاتها الفنية الجميلة.
وبعيدا عن المناقشة وعن الإحصائيات وعن التنظير، هناك وعلى طاولة الحضور وفي أرض الواقع تبدو لي عديد السئلة والإشكاليات وكأنها محسومة على أرض الواقع. فعندما نحن بصدد إنتظار حلول عطلة الصيف ونتطلع إلى العودة إلى أوطاننا أو حتى لنسافر إلى إكتشاف بلدان و ثقافات جديدة، تستمر بداخلنا مسيرة البحث عن الهوية والإنتماء. و إذا كانت الدولة وهيئات المجتمع المدني والمتخصصون يحاولون دون كلل تغيير واقع ومفهوم الهجرة والمهاجر، فلعيادة الطبيب رأي آخر.
ففي طريقي إلى حضور هذا الإستقبال، سعدت جدا بأشعة الشمس التي داعبت وجنتي، وتذكرت كم من المهاجرين عادوا إلى بلدانهم الأم فقط من أجل هذه الأشعة التي بالكاد تزورنا في هذه البلاد. تذكرت صديقة والدتي وهي سيدة تونسية عاشت قرابة أربعين سنة في ألمانيا، قالت لي ذات مرة: منذ مدة وأنا أعاني من آلام المفاصل وأتناول الأدوية لأجل ذلك والتي بالكاد تجدي نفعا، إلا أنه وفور وصولي إلى مطار تونس تغيب عني الآلام وأتوقف عن تناول الأدوية، وعندما سألت الطبيب عن ذلك أجابني بأنه مهما طال المقام بالمهاجر في دول الإقامة و مهما ألفها، فإن جسده يصل إلى مرحلة يحن فيها إلى مسقط رأسه، و الآلام التي تشعرين بها أنت وغيرك من المهاجرين ماهي إلاَّ حنين الجينات إلى أوطانها، وعلاجها الوحيد هو أرض الوطن.