10 سنوات على الثورة التونسية: شروط الانتقال الديمقراطي أو في العلاقة بين الديمقراطية والتنمية
10-01-2021 10:53:27
يحذر الخبير الاقتصادي االتونسي الاستاذ عبد الحميد الجويني من الافكار "المُريحة" التي تعكس كسلا فكريا و"نزعة تبريرية"، من قبيل ترديد أغلب المشتغلين بالسياسة في تونس لمقولة: "نجحنا في الانتقال الديمقراطي، وحان الوقت للتغيير الاقتصادي والاجتماعي"، وهو طرح تبسيطي ينفي الطبيعة الجدلية للعلاقة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو العلاقة بين الديمقراطية والتنمية و يرتّب -دون أي دليل علمي- التغيير وفق مسارات ومراحل متتابعة (séquentiels)...الديمقراطية من أهم شروط التنمية لكن ضرورة تلازم مسارات البناء لا يمكن نفيه دون تدقيق....
سلسلة تدوينات نشرها المهندس عبد الحميد الجويني على صفحته بفيسبوك بتزامن مع مرور 10 سنوات على الثورة التونسية:
في الذكرى العاشرة للثورة التونسية(1):
النخبة المدلّلة او المحظوظة او المبجّلة
"Privileged Elites"
في كتاب مهم بعنوان:
" Why Nations Fail?"
صدر سنة 2012 للباحثين د. عاصم اوغلو و جامس روبنسون حول جذور القوة والتقدّم و الفقر، واسباب الهوة العميقة بين مستويات المعيشة و شروطها بين بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا و المانيا من ناحية و بلدان افريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية وجنوب اسيا من ناحية اخرى...
تزامن اعداد الكتاب للنشر مع موجة الثورات العربية وهو ما دفع الكاتبان الى الاشارة في مقدمة الكتاب الى الثورة التونسية، كانت اشارة لافتة الى ان الثورة في جوهرها كانت ضد منظومة تحكّم "النخبة المحظوظة": "Privileged Elites" في تونس، وانتشرت بعد ذلك الى البلدان المعروفة...
محاولة التدقيق في طبيعة هذه "النخبة ذات الحظوة"، في طريقة تشكّلها و مسارات توسّع نفوذها و سطوتها، وارتباطاتها الداخلية والخارجية... تقودنا الى فهم ما يحدث الآن، فهذه النخبة المبجّلة وذات الحظوة تحوّزت على الامتيازات الاقتصادية والادارية والاجتماعية بما جعلها تُطبِق على الدولة ومختلف اجهزتها لتجيّرها لصالحها و تقصي المجتمع وقواه الصاعدة من كل فعل وتححب عنه كل فرصة... وكانت الثورة بمثابة الانفجار ضد هذا الوضع الخانق...
هذه "النخبة ذات الحظوة" و بما يتوفّر لها من الامكانيات المادية والادارية والارتباطات المتعدّدة ، وان اُخِذَت على حين غرّة، بثورة غير تقليدية لم تستسلم للامر الطارئ وعملت على استعادة زمام المبادرة، فكانت هيئة بن عاشور لتعويم الرّهانات الحقيقية و ترويض الطبقة السياسية المعارضة للمنظومة القديمة عبر إدماجها التدريجي... وكان ضعف خبرة الشباب باليات اشتغال المنظومة و غياب هياكل وتقاليد عمل جماعي يوحّد رؤيتهم وحركتهم دور كبير في نقل الصراع من الشارع الى كواليس هيئة بن عاشور و غرف التفاوض المغلقة. فذلك الفضاء المُحتَكر على مرّ التاريخ من قبل الارستقراطية البلدية ثم الاوليغارشيا الحديثة النشأة لا قدرة للقوى الجديدة على التاثير فيه وفهم اليات اشتغاله وتوجيه مسار الاحداث في غير صالح مجموعات النفوذ والمصالح.
كان المجلس التاسيسي الميدان الذي نُقل اليه الصراع ليتمّ تحويل ماهيته من صراع اجتماعي وثورة ضد نخبة/طبقة فاسدة الى صراع سياسي هووي يدور حول الاندماج / التدجين وكانت نتيجة هذا الصراع بعد عشر سنوات:
- تطبيع ومصالحةمع الفساد والفاسدين،
- ترويض تدريجي للمعارضة الاسلامية - الممثّلة في حركة النهضة - لبن علي ومنظومته وادماجها في منظومة الحكم، ادماج سعت اليه بدورها وحسبت انها تحسن صنعا... برّرته بمسعاها لتحصين المسار ضد اي ارتداد لكنه انتهى بها الى عزلة عن قاعدتها الاجتماعية و اندماجا بشروط وقواعد المنظومة القديمة فتحوّلت العملية من افق التسوية التاريخية الى صفقة "سلامتك والقبول بك مقابل المحافظة على الوضع القاءم و شبكات المصالح"
- التفريط في الحق في المحاسبة والعدالة
- تحكم المنظومة القديمة في ايقاع العمل السياسي بما يجعلها تكتسح من جديد كل مجالات الفعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي..
- بروز فصيل جديد من السياسيين / البزنسمان من اهم خصاءصهم افتقادهم الشديد للرؤية الاستراتيجية و الارتهان الشديد للوبيات في الداخل و للقوى الخارجية، شخصيات لا وزن سياسي اوانتخابي او شعبي لها يتمّ تصعيدها بشكل درامي لتحتل اعلى المراكز وتمعن في السطو على الفضاء العام عبر منصّات اعلامية مدفوعة الاجر، ومنظمات/ حوانيت "مجتمع مدني" تنشأ في الصالونات و تُعتَمَدُ من الخارج و من المموّلين لتسطو على الفضاء العام و تلتفّ على المؤسسات ( جمعيات "الدفاع عن مدنية الدولة" و "مكاسب النظام الجمهوري ودولة الاستقلال".....)..
=======
من المفارقات التي نلحظها الان اصرار الشعب على قيم المواطنة، وتخلف النخب السياسية والثقافية عن ذلك و انخراطها المحموم في سجالات عقيمة،
هناك اجماع على الدولة عند الشعب يقابله احتراب متعدد الاشكال عند النخبة، ولا اجد تفسيرا لذلك الا انها نخب من ذوي الامتياز او ساعية لتحصيل امتياز بما يجعلها اسيرة منطق استمرار الفرز على قاعدة البنية الاستعمارية و الحرص على استمرارها....
بعد عشر سنوات... حان الوقت لدفع الفرز الى مداه الاقصى لكن على قاعدة المواطنة والحرية للجميع مقابل سطو وهيمنة اقلية متمعّشة طفيليّة لن تقبل باي تسوية.
في الذكرى العاشرة للثورة التونسية (2)...
باب في شروط الانتقال الديموقراطي، او في العلاقة بين الديموقراطية والتنمية
من بين الافكار "المُريحة" التي تعكس كسلا فكريا و"نزعة تبريرية"، ترديد اغلب المشتغلين بالسياسة في تونس لمقولة: "نجحنا في الانتقال الديموقراطي، وحان الوقت للتغيير الاقتصادي والاجتماعي" وهو طرح تبسيطي ينفي الطبيعة الجدلية للعلاقة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي او العلاقة بين الديموقراطية والتنمية و يرتّب -دون اي دليل علمي- التغيير وفق مسارات ومراحل متتابعة (séquentiels)...
الديموقراطية من اهم شروط التنمية لكن ضرورة تلازم مسارات البناء لا يمكن نفيه دون تدقيق....
يطرح د. "علي الدين هلال" في كتابه عن "الانتقال الديموقراطي" عدّة فرضيات جديرة بالتحليل بشان العلاقة بين التنمية والديموقراطية، والعلاقات الاحتمالية / التفاعلية بينهما كمتغيّرين:
1. امكانية اقامة نظام ديموقراطي في بلد تكون فيه مستويات التنمية متدنّية، واحتمال ارتفاع قابلية اقامته عند ارتفاع مستوى التنمية.
2. احتمال صمود واستمرارية النظام الديموقراطي واستقراره مع ارتفاع مستويات الدخل،
3. احتمال ان تكون التجربة الديموقراطية في البلدان الاقل نموا وتنمية اكثر عرضة للسقوط، وتكون في البلدان الاكثر نموا وتنمية اكثر استقرارا
4. احتمال ان تكون النظم السلطوية اكثر ضعفا في البلدان الاكثر نموا بما يعزّز الديموقراطية
5. احتمال ان تقلّ فرص التحول الديموقراطي في البلدان النامية اذا نجحت نظمها في تحقيق التنمية.
مراجعة سريعة للتجارب المعاصرة تكشف انّ:
1. الدول التي اتبعت نظرية احلال الواردات (التصنيع / التاميم/ الانطواء على الذات...) فشلت في تحقيق التنمية، وتركّزت فيها نظما سلطوية،
في المقابل،
2. الدول التي تبنّت سياسة تشجيع الصادرات والاندماج في الاقتصاد العالمي زاد معدل التنمية فيها وزادت فرص الانتقال الديموقراطي (النمور الاسيوية)
يمكن تفسير ذلك بأن ارتفاع الناتج المحلّي الاجمالي من شانه زيادة حجم الطبقة الوسطى المتعلمة والنشيطة وهي القوة المحركة والمطالبة بالنظام الديموقراطي.
.......
في تونس وفي الثلاثين سنة التي سبقت الثورة : نظام سلطوي مافيوزي حقق نسبة نمو متوسطة ( لكن دون المطلوب ) ولم يحقق تنمية عادلة ومتوازنة، نموّا استفادت منه "نخبة ذات حظوة وامتيازات ريعية حصرية (Privileged Elite) نتيجة تموقعاتها في اجهزة الدولة وحولها عند حلول العولمة عبر برنامج الاصلاح الهيكلي (PAS) الذي نقل الاقتصاد من اقتصاد تديره الدولة الى اقتصاد تديره المافيا:
(de l'économie du Plan à l'économie du Clan)
هذا التحول على المستوى الاقتصادي افرز:
- طبقة وسطاء استفادوا من فرص الانفتاح دون اي قيمة مضافة لقربهم من الادارة و نفاذهم الى الامكانيات المتاحة.
- طبقة وسطى هشّة وكسولة اقتصاديا ، علاقتها بالنظام والادارة (التي لم تتطوّر بصفة موازية للانفتاح) علاقة زبونية بعيدة عن الجدارة والاستحقاق، لم تتجاوز مطالباتها ومعارضتها للنظام المستوى الحقوقي / السياسي الى استحقاقات التنمية والعدالة الاجتماعية ولم تكن كافية لتهديد استقراره.
- عموم الشعب و فئاته المهمّشة و خاصة الشابة التي وجدت نفسها خارج حسابات الدولة والمنظومة الريعية، عشرات الالاف من الشباب تدفع به المعاهد والجامعات كل سنة الى مربّع البطالة والتهميش حيث لا امل ولا افق... شباب غير مرغوب فيه يسكن احزمة الفقر التي تحيط بالمدن و المناطق الداخلية، شباب يشكّل تونس الغير مفيدة (la Tunisie inutile), شباب على هامش مؤسسات الدولة و خارج حسابات المنظومة يعاني الحيف الاقتصادي والاجتماعي الذي انتهى به الى ثورة اجندتها "الخبز والحرية والكرامة الوطنية" تلقّفتها الطبقة الوسطى لتحسين شروط استفادتها من المنظومة و تموقعها داخلها لتنتقل من موقع الزبون الى موقع الشريك.
الهوّة الاقتصادية بين الطبقة الوسطى (المستفيدة نسبيا بوجودها في الدورة الاقتصادية) و الشعب المهمّش في الجهات (خارج المنظومة القائمة على علاّتها) فرّق بين الطرفين بعد الثورة: الاولى سعت الى تحسين وضعيّاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عبر الانتظام في احزاب و جمعيات مهنية قطاعية والاستقواء بالنقابات .... والثانية (الشعب المهمش) لم ترى اوضاعها تتحسّن وخُذلت من طرف طبقة سياسية انصرفت الى اولوياتها ومصالحها....
هل هناك طبقة وسطى في تونس قادرة على قيادة الانتقال الديمواقراطي وتوفير شروط التنمية او قادرة على تحقيق تنمية تضمن استمرار التجربة الديموقراطية واستقرارها؟ ام هي مجموعات استفادت من وضع تريد استدامته، ومن ثورة جيّرتها الى مصالحها.
انتخابات 2019 كشفت المأزق ودفعت بالتجربة الى مجال المغامرة في غياب بداءل جدّية و متينة:
- تراجع مريع للقوى الاجتماعية التقليدية التي حصرت برامجها في شعارات هووية تتغذى من تناقضات ثانوية لا علاقة لها بحياة الناس..
-صعود للشعبوية عبر تصعيد رئيس برنامجه "وعد للشعب الذي يريد ان يحقّق ما يريد" و تصويت لقوى تبيع الاوهام..
هل من افق جديد في منعطف العشرية الثانية للثورة؟ افق يرسّخ الفرز والاصطفاف على قاعدة المواطنة الكاملة والحرية و تكافؤ الفرص؟
على هامش الذكرى العاشرة للثورة (3)
باب في "الرزق السايب"
كثر الحديث واللغط هذه الايام عن قرب انقضاء الاجال فيما يتعلّق باسترجاع الاموال المنهوبة من طرف اقطاب نظام بن علي... وتعالت الاصوات المنبّهة الى "ضرورة التحرّك وبسرعة" ... لكاٌنّ الامر يتعلّق بضغطة زر او رسالة مضمونة الوصول الى البنوك السويسرية او مكالمة هاتفية من وزير المالية الى نظيره السويسري لاسترداد حقوق المجموعة الوطنية....
المختصون في متابعة واسترجاع الاموال المنهوبة يقولون ان الامر بالغ التعقيد والصعوبة ويتطلّب سنوات من الجهد المتواصل وبمهنية عالية جدا... والوقاءع في بلدان التي حكمتها دكتاتوريات مشابهة اثبتت انه لم يتم في الخمسين سنة الماضية استرجاع اكثر من10% من الاموال المنهوبة (مثال الجنرال سامي اباشا من نيجيريا) لاسباب عديدة اهمّها:
- الاساليب المعقّدة التي يعمد اليها الدكتاتور وعاءلته وحاشيته والمستفيدون من منظومته (رجال اعمال، شركات وهمية sociétés Ecran، حسابات سرية،وسطاء غير معلومين...)
- تواطؤ اطراف اجنبية سياسية ومالية واقتصادية وتجارية لاضفاء الصبغة القانونية على الاختلاسات والتحويلات: تضخيم الفواتير بما يمكّن من تحويل الاموال بطرق قانونية عبر البنوك باستعمال الاعتماد البنكي lettres de credits والتوثيق بالمستندات التي تجعل اثبات التلاعب مسالة خبرة معقّدة و فرصة اضافية للمساومة...بالاضافة الى ان كشفها قد يورّط اطراف عديدة في الداخل والخارج، اطراف يدفعها الخوف من انكشافها الى قيادة عملية مضادّة تصرف عليها بسخاء لا يقاوَم....
- ضخامة المبالغ التي تمّ تهريبها و الرهانات التي تتعلّق بكشفها تفتح مجالا واسعا جدا لتلاعب جديد ومستفيدين جدد يستغلّون هذه الملفّات للاثراء والابتزاز و التموقع: تخيّلوا للحظة سياسي تافه او طمّاع او غبي قذفت به الصدفة الى الواجهة يتمّ توريطه بسهولة في ملف فساد اخلاقي او مالي و تعرض عليه مليارات مقابل "اغفاله" للآجال او تسريبه لمعطيات تهم الملف .. وهذا حدث في حالات عديدة...
-هناك شركات محاماة عالمية تشتغل على مثل هذه الملفات بانتهازية مريعة عادة ما تشترط ككلفة لاتعابها مبلغا محدّدا و نسبة مءوية % من المبالغ المهرّبة المسترجعة : وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لمساومات و مفاوضات جانبية موازية تحت الطاولة بين هذه المكاتب (تتفق معه مثلا على نسبة % 3 من المبلغ المستردّ فيقترح عليه مكتب محامات الطرف المقابل %6)...
-لقد زار تونس سنة 2011 و2012 عدد من مكاتب الاستشارة والمحاماة- المختصة في استرداد الاموال المنهوبة- من لندن وامريكا وعرضوا خدماتهم و بحثوا لهم عن وسطاء محليين... وحاولوا ابرام صفقات في هذا المجال... لا اعلم بتفاصيل ما دار في الاجتماعات مع هؤلاء وهم يمارسون البزنس الذي اتقنوه وبرعوا فيه لكن اعلم علم اليقين ان من بين الاستنتاجات التي خرج بها بعضهم ان "المسؤولين عن الملف في تونس" ضايعين فيها جملة وتفصيلا" ولقد اتيحت لي فرصة الحديث مع احد الخبراء العالميين المشتغلين في تقديم الاستشارات الى الحكومات ولقد اكّد لي بعد حديثه مع وزيرين على الاقل انهما لا يتوفّران على الحد الادنى من الخبرة والحرفية لمسك هذا الملف و تحصيل نتاءج ايجابية لضعفهم الشديد امام خصومهم...
ملاحظة اخيرة...
التجارب اثبتت ان تحالف السلطة وراس المال الفاسد يقاوم بالديموقراطية الحقيقية و المؤسسات القضاءية والدستورية والاعلامية الفاعلة والشفافية التي تمنع الفساد عوض ملاحقته بعد ان يشتد عوده و تتطور امكانياته....
عاءلة ساويرس المصرية مثلا كانت من العاءلات الثرية المقرّبة من السلطة في عهد الملك فاروق... هربت الى الخارج بعد ثورة 1952 في مصر وتاميم شركاتها سنة1961... عادت بصورة محتشمة وتدريجية مع الانفتاح الاقتصادي والتحول نحو الراسمالية بعد 40 سنة و سيطرت على قطاعات حيوية وريعية في الاقتصاد المصري و تدخّلت بصورة مباشرة في اجهاض التجربة الديموقراطية في مصر وحتى خارجها...
في تونس مءات المليارات تمتعت بها عاءلات نافذة تم شطبها من طرف بن علي و اعادت الدولة بعد الثورة رسملة البنوك لتجنيبها الافلاس والانهيار عوض الضغط بالقانون لاسترجاع تلك الاموال...كان من الايسر استرجاع ما نهب من البنوك في تونس والمطالبة بذلك عوض البكاءيات على اموال فات اوان استردادها لتقصير وجهل و تعقيدات كثيرة لا قِبل لمن في السلطة بها...
لا ننسى ايضا ان هناك اموالا تم تهريبها بعد 2011 ولا يزال ذلك يتم على قدم وساق و بصيغ مختلفة تتراوح بين الاستيراد العشواءي لسلع من الكماليات و تهريب للعملة الصعبة (قطاع السياحة والتصريح الشهير لمحافظ البنك المركزي السادلي العياري في مجلس النواب الذي قال فيه" ويني فلوس السياحة ؟ ما ريتهاش...") و تهريب عبر المطار وما المبالغ التي تعلن عنها مصالح الديوانة من حين لاخر الا نسبة ضئيلة مقارنة بما يتم تهريبه... والسوق الموازية ووووو
من الاجدى والانجع العمل على وقف النزيف و العمل على بناء مؤسسات رقابية وقضاءية ناجعة في اقرب وقت ....
منه العوض وعليه العوض
على هامش الذكرى العاشرة للثورة (4):
نحو عقد اجتماعي جديد بشروط واجندة من قاموا بالثورة...
التنمية بعيد الاستقلالات تحتاج الى تحوّلات عميقة في التركيبة الانتاجية ...و مثل هذه التحولات ّ لن تتاتّى عن طريق عمل اَليات السوق التقليدية التلقائية، و هو ما يتطلّب دورا نشيطا للدولة من خلال سياسات الانفاق العام.. وعلى هذا الاساس ركّزت البرامج و السياسات التنموية بعيد مرحلة الاستعمار المباشر على الاستثمار العام في التصنيع، وحماية الصناعات الوليدة، والعمل على التراكم السريع لراس المال، واستغلال فاءض العمالة في القطاعات الريفية، وتقديم خدمات التعليم والرعاية الصحية باقل التكاليف.....
اتُّبعت هذه التوجّهات في صياغة سياسات الانفاق العام حتى الثمانينات من القرن الماضي... وقد ترتّب على اتّباع هذه السياسات تحت الانظمة التسلّطية بعض الانجازات التنموية التي استقادت منها شراءح واسعة من المجتمع شكّلت نواة "الطبقة الوسطى" وهو ما اقرّ به البنك الدولي في احد تقاريره لسنة 2004 حين اشار الى انّه :" من سنة 1960 وحتى ثمانينات القرن الماضي ظهرت هذه الشراءح كمستفيدة بوضوح من الاقتصاد السياسي الذي اسسه التوجّه الاجتماعي الذي اتصف بنشاط الدولة في المجال الاقتصادي وتركيزه على السياسات التوزيعية. وترتّبت على هذه المكتسبات التنموية ما يمكن تسميته ب "صفقة تسلّطية" ، حيث قايضت السلطة "المواطنون المستفيدون" التقييد على الحرّيات السياسية مقابل التمتّع يالامن الاقتصادي وتوفّر الخدمات الاجتماعية" وبذلك تكون الطبقة الوسطى نشأت وتطوّرت وتوسّعت في كنف الدولة الراعية الى حدود ثمانينات القرن الماضي فهي المشغّل الرءيسي وهي التي توفّر وتحتكر شروط الولوج الى سلّم الارتقاء الاجتماعي.... مما جعلها (الطبقة الوسطى) كسولة تميل الى البحث على الاستقرار وتعظيم المكتسبات الماظية المباشرة و هو ما يعبّر عنه ي "المواطن المستقرّ"
تميّزت تلك المرحلة ب "انسجام وتناغم" بين الحزب الحاكم واتحاد الشغل و مختلف "المنظمات الوطنية" في تبني الخيارات الاقتصادية للدولة (امين عام اتحاد الشغل كان الى حدود 77 عضوا في الديوان السياسي للحزب الحاكم ويتبنى سياساته الاقتصادية والإجتماعية ...)
مع اشتداد الازمة الاقتصادية في بداية ثمانينات القرن الماضي وظهور بوادر العولمة تحوّلت الدولة مضطرّة عبر برنامج الاصلاح الهيكلي من دولة راعية ومشرفة على اقتصاد منظّم economie administrée الى دولة " تعديلية" وذلك لشحّ الموارد وارتفاع كلفة الاعباء الاجتماعية والتسييرية واضطرت تبعا لذلك تحت توجيهات مؤسسات بريتن وود الى تطبيق الخوصصة والتفويت في القطاعات الانتاجية و التخلّي عن ادوارها الاقتصادية المذكورة اعلاه لصالح القطاع الخاص بالاضافة الى تقليصها المتسارع لأدوارها وتدخّلاتها الاجتماعية (صحة، تعليم، دعم وحماية للمؤسسات امام المنافسة الاجنبية...) و تجميد للانتدابات ....
لقد تم الترويج في تلك المرحلة الى ان التشغيل من المهام الموكولة الى القطاع الخاص الذي سترافقه الدولة عبر التمويل والتاطير والتكوين...لكن النتيجة (وحيثيات ذلك يطول شرحها...) كانت تراجع الانتاج الصناعي و فرص التشغيل وتدهور القيمة المضافة لصالح المناولة في القطاعات ذات الكثافة العمالية منخفظة المستوى والاجر :
labour intensive segments
ولم تفد برامج التاهيل الصناعي mise a niveau في تحسين التنافسية و دعم التجديد وتحسين التاطير نظرا لان القطاع الخاص كان يفتقد لكل المؤهلات الضرورية ماعدا مؤهلات الإستفادة من المزايا والمنح والتحفيزات والقروض.... ولم يتوفّر على الحد الادنى من شروط النهوض عبر التجديد والمنافسة والتطوير واقتحام الاسواق الخارجية..... فحلّ التفقير الصناعي désindustrialisation مكان التطوير والتجديد ....
لابد من الاشارة الى تزامن انحسار دور الدولة ووظيفتها التشغيلية مع الارتفاع الكبير في عدد خرّيجي الجامعات الحاملين لشهاءد غير متطابقة مع متطلّبات سوق الشغل وعزوف القطاع الخاص عن تحسين نسبة التأطير في المؤسسات الاقتصادية...
لضبط الوضع والتحكّم في التناقضات المتسارعة منذ سنة1990 الى سنة 2010 احكم النظام سيطرته على الفضاء العام بالقمع والترهيب والاحتواء والصفقات:
- القمع البوليسي للمعارضة الراديكالية الاحتجاجية
-الترهيب المواطنين لتحييدهم عن العمل السياسي
- الاحتواء للمنظمات المهنية و الوطنية(نقابات، اتحادات جمعيات.(...UTICA, UGTT, LTDH)
- الصفقات مع المنظمات الاجتماعية والاقتصادية في صيغة "عقد اجتماعي" أحادي الجانب لفرض سلم اجتماعي افتراضي.
لكن الحراك الاجتماعي انفلت خارج الاطر التقليدية وتراجعت سطوة الدولة والاتحادات تدريجيا على المجتمع.. فاصبح الحراك خارج الاطر التقليدية (اتحاد الشغل من دون موظّفي القطاع العمومي لا وزن له، واتحاد الصناعة والتجارة من دون المستفيدين من النظام السابق لا وزن له....)
نتجت عن هذه التحولات المتسارعة والعميقة شروخ جوهرية مسّت وظيفةالدولة و طبيعة الاقتصاد وطبيعة المجتمع:
- الدولة لم تعد راعية وانحسر دورها الاقتصادي والاجتماعي وانزاحت تدريجيا الى "مؤسسة في خدمة موظّفيها بصيغة شبه حصرية"
- الاقتصاد تحول من اقتصاد منظّم وموجَّه الى اقتصاد مافيا :" de l'economie du plan vers l'economie du clan"
- المجتمع عوض ان يتحوّل من مجتمع تُعِيله الدولة الى "مجتمع استهلاكي" على النمط الاوروبي: ينتج ويستهلك تحوّل الى "مجتمع مستهلكين": يستهلك ولا ينتج وهو ما يعبّر عنه بلغتنا الشعبية ب " حابسة وتمركي" او على راي إخواننا الجزائريين: " راقدة وتمَنجِي"..... وكان الحل في الافراط في التداين لدفع اجور تضاعفت 3 مرات منذ 2011.
بعد عشر سنوات من الثورة لم يتم الاهتمام بصورة جدية بموضوع التعاقد الاجتماعي او العقد الاجتماعي الذي يضبط دور الدولة وحدود تدخّلها ودور المنظمات والمؤسسات والاتحادات وشروط تعاطيها مع الشان العام في افق تحقيق المطالب التي قامت عليها ولاجلها الثورة : " شغل، حرية، كرامة وطنية..."
ما العمل في افق العشرية الثانية ؟
نحو عقد اجتماعي جديد بشروط من قاموا بالثورة وبمشاركتهم الفعلية لا بمصادرة طموحاتهم وحقوقهم بديموقراطية الواجهات والالتقاء مع من ثاروا ضدهم مقابل السماح للواجهات الحزبية بالانخراط في المنظومة القديمة بشروطها...
###