بانوراما



الإعلام الرقمي وتشكيل المعرفة بالآخر. العالم العربي/ الإسلامي والغرب

10-09-2022 12:22:34

صدرت مؤخرا دراسة للباحث والصحفي منصف السليمي، رئيس المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام، MagDe حول دور الإعلام الرقمي في تشكيل المعرفة  بالآخر، وذلك ضمن منشورات دايكينسون Dykinson العالمية المرموقة التي تصدر باللغتين الانجليزية والإسبانية. الدراسة بعنوان: الإعلام الرقمي وتشكيل المعرفة بالآخر. العالم العربي/ الإسلامي والغرب.

وفيما نص الدراسة وحقوق نشرها محفوظة لدايكينسون.

 

الإعلام الرقمي وتشكيل المعرفة بالآخر. العالم العربي/ الإسلامي والغرب

 https://www.dykinson.com/libros/el-mundo-arabe-e-islamico-y-occidente-retos-de-construccion-del-conocimiento-sobre-el-otro/9788413776422/

DIGITAL MEDIA AND THE FORMATION OF KNOWLEDGE OF THE OTHER..THE ARAB/ISLAMIC   WORLD AND THE WEST

 

منصف السليمي

صحفي وباحث 

 Moncef Slimi

Das Deutsch-Maghrebinisches Institut für Kultur

und Media, MagDe (Bonn, Germany).

 1. تقديم

الإعلام الرقمي Digital هو نظام حديث لنشر وانتاج وتبادل وتخزين المعلومات والمضامين المعرفية عبر وسائط رقمية، وتتمثل أساسا في الأنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي: فيسبوك، تويتر، يوتيوب، انستغرام، تيك توك. وتشتغل وسائط الإعلام الرقمي وفق آليات تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة، وهو ما يضفي خصائص مختلفة للإعلام الرقمي عن الإعلام التقليدي المتمثل في التلفزيون  والراديو والصحافة المكتوبة.

وأحدث اشتغال الاعلام الرقمي عبر تقنياته الحديثة المتمثلة في الكمبويتر ثم أجهزة الهاتف النقال والتواصل عبر الانترنت، باعتبارها أحدث تمظهرات العولمة في العصر الراهن، في تغييرات سريعة ليس فقط في المشهد الإعلامي العالمي بل بتأثيراتها العميقة في العلاقات المادية والانسانية ومنظومات القيم والمعارف على المستوى الفردي والجماعي.

ويشكل مجال العلاقات الثقافية والمجتمعية بين العالمين* الغربي والعربي/الإسلامي حقل تأثير ملحوظ، إذ يمكن رصده في مستويات عديدة، ولكن قبل ذلك نسلط الضوء على كيفية اشتغال الاعلام الرقمي وبعض الظواهر الحديثة التي نشأت بتزامن مع ظهوره وتطوره.

ونود قبل ذلك التوقف إلى ضرورة إضفاء النسبية على الأفكار التي سنتناولها بالتحليل والتي ربما يفهم منها أنها تنطلق من مركزية العلاقة بين الغرب والعالم العربي والإسلامي، وهذه مسألة تحتاج إلى إعادة نظر  في سياق خارطة التأثيرات الثقافية والإعلامية العالمية الجديدة، سواء في ظل التنوع الثقافي الشديد الذي اصبحت المجتمعات الغربية والعربية والمسلمة، أو في ظل تطور أشكال التأثير الذي تلعبه قوى ثقافية واقتصادية موازية مثل الصين وروسيا.

ونستخدم في هذه المقالة، مصطلح "العالم الإسلامي" بحذر، على أساس أن هناك ما لا يقل عن 60 بلداً غالبية سكانها من المسلمين، وتشمل زهاء  1,5 مليار  نسمة. وهذه الأمم وثقافاتها شديدة التنوع.

كما نستخدم مصطلحا "أوروبا" و"الغرب" من باب الملاءمة فقط علما أنهما يتضمنان طائفة واسعة من الثقافات والتجارب المتنوعة، منها ثقافات وتجارب الأوروبيين والأمريكيين المسلمين.

أولا: قواعد ومحددات في اشتغال الإعلام الرقمي:

ثانيا: كيف تظهر  القضايا المرتبطة بمجال العلاقات بين الغرب والعالم العربي/الإسلامي  في الاعلام الرقمي؟  وكيف يؤثر الإعلام الرقمي في تشكيل الوعي والمعرفة بالآخر؟

ثالثا: ما هي فرص التأثير  في المعارف المتبادلة عبر الإعلام الرقمي؟

 

  1.  أولا: قواعد ومحددات في اشتغال الإعلام الرقمي:

تكشف الدراسات التي أجريت حول طرق وآليات اشتغال الإعلام الرقمي أنها تستند إلى قواعد تقنية في بث المعلومات وتبادلها، لكن ما مدى حيادية تلك القواعد، وهل هي فقط قواعد تقنية أم  تتجاوز البعد التقني لتنفذ إلى محتوى الرسائل المتداولة؟

1.2. حرية تبادل المعلومات، نظام مفتوح: 

هنالك ترابط بين حرية تبادل المعلومات وقواعد النظام المفتوح وكثافة تدفقها عبر التقنيات الحديثة للاتصالات وعمالقة شركات IT. بحسب التقرير السنوي 2020 لمؤسسةGeopolitical Monitor  المستقلة ( وهي شبكة رقمية من الخبراء والهيئات غير الحكومية، مقرها بتورنتو الكندية. يفيد التقرير بأن ما انتج من بيانات عبر القنوات الرقمية في سنة 2020 يتجاوز مجمل ما انتج من بيانات منذ ظهور أجهزة الكمبيوتر (أكثر من نصف قرن). (Rozpedowski Joanna. 2021).

ويصل تدفق هذه البيانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أكثر من نصف سكان العالم، ويتجاوز المعدل في أوروبا ومنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط 53 في المائة من السكان، ليصل هذا المعدل في السعودية وفي شمال أوروبا إلى أكثر من 67 في المائة، ويبلغ حوالي 70 في المائة في الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب تقرير مؤسسةSuite   Hootالعالمية لسنة 2019.

 

  2 2.سرعة بث وتبادل الرسائل والومضات:

في ظل كثافة تدفق البيانات والمعلومات والمواد البصرية(الصور، الفيديو) عبر مواقع التواصل، تظهر خاصية الومضات والرسائل السريعة، باتت تشكل أسلوبا ملازما في آليات اشتغال شبكات التواصل والانترنت. وهي خاصية لها تأثيرات على مستخدمي هذه الشبكات، من حيث سرعة التأثير والسبق في الوصول إلى قطاعات أوسع من الجمهور بشكل يتجاوز وسائل الإعلام التقليدية.

وترتبط هذه الخاصية بتفاعلات وبنيات مجتمعية مختلفة، إذ تمنح فرصا أكبر للفئات الشبابية والفئات الأكثر ملاءمة لاستخدام تقنيات الاتصالات، نسبيا مقارنة مع الفئات العمرية المتقدمة.  وحسب إحصاءات نشرت سنة 2021، فان أكثر فئة عمرية تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي بشكل يومي هي تلك التي تراوح أعمارها ما بين 18-29 عاماً، بنسبة 84%. تليها فئة 30-49 سنة بعدها بنسبة 81%، ثم 50-64 سنة بنسبة 73%، وأخيراً فئة 65 سنة وما فوق، بنسبة 45%.  (The global state of digital in 2019. Report 2019)

 

3.2 . خاصية التفاعل والمشاركة:

اعتبارا لعوامل السرعة في التجاوب، وتنوع المؤثرات البصرية في الرسائل التي تبث عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فانها تشكل أرضية ملائمة للتفاعل بين مستخدميها.

وهي خاصية تجعل مواقع التواصل متفوقة بشكل متفاوت على وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف المكتوبة والقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية.

وناهيك عن خاصية التفاعل، فان مواقع التواصل تمنح مستخدميها فرص المشاركة في انتاج المحتوى المتداول عبرها. بيد أن ذلك يتم بدرجات متفاوتة، ويلعب عنصر الانتشار عاملا مؤثرا فيها. إذ يتمتع المستخدمون الأكثر انتشارا ولاسيما فئة المدونين أو المؤثرين وصانعي المحتوى فرصا أكبر في صياغة اتجاهات الرأي الأكثر انتشارا داخل الشبكات مقارنة بالمستخدمين العاديين.

 

  2. 4. الانطباعات، المشاعر، الإثارة:

يجد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، في محتوى وأشكال التواصل خصائص بارزة تجتذبهم للتفاعل وإبداء ردود أفعال مختلفة. فالانطباعية وإظهار المشاعر الشخصية على منصات التواصل، ومظاهر الإثارة، تشكل عرضا ملائما للجذب والتفاعل مع إمكانية تأثير متبادل.

وتظهر بعض الدراسات النفسية بأن هذه الخاصية لها وظائف متباينة وخصوصا لفئات الشبان والمراهقين. اذ يمكن أن تشكل فضاءا منفتحا للحرية والاكتشاف والتغيير والتعبير عن الذات بالنسبة إلى فئات من الأشخاص، كما يمكن أن تشكل مجالا للضغط النفسي والتوتر لدى فئات أخرى.

كما يُفضي اعتماد هذه الخاصية إلى ترجيح نمط معين من ردود الفعل القائمة على المشاعر والعواطف والانفعالات واللاوعي، على حساب أسلوب الوعي والتأمل والاعتماد على التفكير العقلاني البنّاء أو النقدي.

   2. 5. خواريزميات وتراند:

إذا كان التراند هو ما  يرصده مستخدو سوشيال ميديا أو المتخصصون فيها من انتشار على أوسع نطاق لمحتوى معين سواء كان في شكل منشور مكتوب أو مقطع فيديو أو لقطات مصورة أو كليبات صوتية، فإن الخواريزميات هي قواعد رياضية  في شكل برمجيات داخلية توجه عمليات النشر التي تقوم بها مواقع التواصل، التي تتوفر كل منها على قواعد وخصائص مرتبطة بطبيعة المنصة والجمهور المستدف. وتشترك خواريزميات مواقع التواصل في بعض الأهداف من أهمها: إرضاء المستخدم لقضاء أطول وقت على المنصة، والسعي لتحقيق أكبر عائد في السوق.

يقود استخدام مواقع التواصل لهذه القواعد والميكانيزمات، إلى إشكالات حول من يتحكم في العملية التواصلية، هل هي عملية إنسانية تنتج عن تواصل مكثف بين أشخاص أم إن البرمجيات والآليات والتي يمكن أن تتطور في شكل روبورتات توجه شبكات التواصل وتتحكم باتجاهات الرأي.

وقد حذر خبراء من مخاطر تحول الاعلام الرقمي إلى سلطة للهيمنة و"الاستبداد الرقمي". إذ يتوقع علماء أن السباق الحثيث من أجل السيطرة على البيانات، والذي تدور  رحاه في مجالات الذكاء الاصطناعي وصناعة الروبورتات أو الهندسة الحيوية، قد يؤدي إلى "دكتاتورية رقمية"   كما يسميها الباحث الأمريكي سورن كورسغارد في دراسة بعنوان "دكتاتورية رقمية – عالم واحد" من كتابه "الجريمة والسلطة". (Soren Korsgaard, 2020)

حيث يمكن أن تستخدم خواريزميات متطورة في إعادة هيكلة مجتمعات بأكملها و الزج بالفئات الأكثر ضعفا من سكان العالم في أوضاع مراقبة وسيطرة.

2 . البيانات الشخصية والمصالح:

مع اتساع انتشار شبكات التواصل في العالم وتطور تقنيات الاتصالات التي تستخدمها، ظهرت كبريات شركات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات كـ"قوى" عالمية جديدة مؤثرة وبشكل غير مسبوق في العلاقات بين المجتمعات والدول. إذ طرح تداول المعلومات و البيانات الخاصة للأشخاص على نطاق ضخم عبر شبكات التواصل والانترنت، إشكالية مدى توفر قواعد الحماية لتلك البيانات الشخصية، في ظل مخاطر توظيفها لمصالح تجارية أو لأغراض مراقبة أمنية.

ويمكن رصد محطات بارزة من الأحداث التي سلطت الضوء على هذه الاشكالية:

 أزمة Tik Tokتيك توك بين الصين والولايات المتحدة.

أزمة فيسبوك في الاتحاد الأوروبي، وحاليا في الولايات المتحدة.

قضايا أمام المحاكم الأمريكية والأوروبية ضد شركات تواصل اجتماعي بسب انتهاك حقوق حماية الأطفال، تحت طائلة COPPAقانون حماية الأطفال الأمريكيين على شبكات الانترنت، و GDPR قواعد الاتحاد الأوروبي العامة لحماية البيانات.

تحقيقات وقضايا أمام محاكم أمريكية فيما يعرف بقضية "كامبريدج اناليتيكا" بشأن دور لفيسبوك في استخدام برمجية تقوم بتوظيف بيانات شخصية للتأثير على الانتخابات الأمريكية.

 (Carole Cadwalladr and Emma Graham-Harrison, 2018)

 و مساءلات أمام الكونغرس والبرلمان الأوروبي بشأن قضايا تنمر وتمييز ، وضمنها اعترافات الموظفة السابقة بفيسبوك، فرانسيس هوغن،  أن فيسبوك وتطبيقاتها ومنها إنستغرام تغلّب "الربح المادي على سلامة المستخدمين".

   ثانيا: كيف تظهر القضايا المرتبطة بمجال العلاقات بين الغرب والعالم العربي/الإسلامي  في الاعلام الرقمي؟  وكيف يؤثر الإعلام الرقمي في تشكيل الوعي والمعرفة بالآخر؟

نرصد أولا بالاعتماد على مؤشرات كمية ونوعية، كيف تظهر عدد من القضايا المرتبطة بمجال العلاقات بين الغرب والعالم العربي /الإسلامي.

و نحاول في مستوى ثاني اعتماد بعض المفاهيم المعيارية لاختبار مدى تأثير الإعلام الرقمي في منظومات القيم والمعارف والعلاقات الثقافية بين العالمين الغربي والعربي/الإسلامي.

و يمكن رصد تطور حجم ونوعية المواد الاعلامية والتواصلية عبر الانترنت ومواقع التواصل خلال الأزمات الكبرى التي شهدتها العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي:  وذلك بدءا من اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومرورا بقضايا الرسوم المسيئة للنبي محمد ( الدنماركية، شارلي الفرنسية)، الاعتداءات الإرهابية في أوروبا، وحرب داعش في العراق وسوريا.

 وقضايا الحجاب والنقاب و لباس السباحة "البيكيني" ، وجهاد النكاح.

  1.   حرية وانفتاح أم انغلاق وتطرف؟

يتعين أولا الإقرار بحجم التطورات الإيجابية المسجلة في تحرر الفضاءات العامة بالمجتمعات الحديثة، بفضل انتشار دور الاعلام الرقمي. ويمكن رصد ذلك في مستويات نوعية القضايا التي تتيح مناقشتها، والقدرة على كسر تابوهات عديدة، حول المرأة  في العالم الإسلامي والأقليات في العالمين الغربي والعربي، وقضايا التحرر المرتبطة بالشباب والفئات الصاعدة في المجتمعات.

بالمقابل تشهد المجتمعات الحديثة ظواهر انغلاق ثقافي على أساس هوياتي واتجاهات ملحوظة لتشكيل مجتمعات ثقافية مغلقة ورافضة للتفاعل مع الآخر الثقافي. ففي مجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية وصولا إلى نيوزلندا واستراليا، تشهد هذه المجتمعات استخداما ملحوظا لشبكات التواصل الاجتماعي من قبل جماعات يمينية متطرفة، ليس فقط بهدف بث الكراهية  على غرار ما شهدته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بل وصلت لاستخدامها في تنفيذ أعمال إرهابية على المباشر، مثلما حدث في نيوزلندا.

  1.    تعارف وتبادل أم أحكام مسبقة موجِهة؟

استراتيجيات قائمة منذ عقود وزاد دعمها في السنوات القليلة الأخيرة لدى الجانبين لإقامة برامج تعارف وتبادل. لكن في مواجهتها تبدو ظواهر خطيرة آخذة في النمو، ترصدها تقارير مؤسسات متخصصة في قياس ما ينشر في الإعلام ومواقع تواصل وما يدور من مناقشات في المجتمعات:

معاداة القيم الغربية، معادة السامية، كراهية الإسلام، رفض الهجرة.

ففي تقرير أوروبي للوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية، يرصد تنامي ظاهرة معاداة السامية خلال العقد الماضي(2009-2019)  في أوروبا، وهو العقد الذي تميز بانتشار تأثير مواقع التواصل الإجتماعي. إذ يفيد التقرير بأن شبكات الأنترنت ومواقع التواصل لإجتماعي سجلت نسب قياسية من الإساءات التي تستهدف معتنقي الديانتين اليهودية والإسلامية. وحسب نتائج استطلاعات أجرتها الوكالة (2018) حول تصورات وآراء التمييز وضحايا جرائم الكراهية، وشملت تجارب ما يقرب من 16500 شخص تبلغ أعمارهم 16 عامًا أو أكثر والذين يحددون هويتهم على أساس دينهم كيهود، أكثر من أي أساس آخر عرقي أو غيره. وتشير نتائج الدراسة إلى ارتفاع مستويات قياسية في معاداة السامية بالدور الأوروبية التي شملتها الدراسة، و تعتبر الأكبر من نوعها في العالم. 

(Antisemitism: Overview of antisemitic incidents recorded in the European Union 2009-2019)..

  1.   تفاهم وتعاون أم رفض وصراع؟

تساهم شبكات الاعلام الرقمي في ضخ معلومات وصور عديدة للتعريف بالآخر وتجد هذه العملية تجاوبا مع فئات من المستخدمين الذين تحفزهم دوافع حب الاكتشاف والتعارف والبحث عن فضاءات التفاهم والتعاون. كما تساهم منصات ومواقع التواصل في انتشار  نماذج ايجابية لمبادرات تجسد التفاهم والحوار والتعاون بين الثقافات، سواء داخل المجتمعات العربية أو الغربية.

لكن ديناميكيات التكتل الهوياتي يتم تحويلها في فضاءات عديدة باتجاه الصراع مع الآخر ورفضه. على غرار الحملات التي تقودها جماعات يمينية متطرفة في أوروبا ضد قيم التعايش بين الديانات والثقافات وضد الهجرة.

ويتم في هذا الصدد توظيف خصائص تطبع اشتغال مواقع التواصل مثل الإثارة والمشاعر أو حتى  باستخدام برمجيات متطورة وخواريزميات، وهو ما تُثار حوله تحقيقات في أمريكا وأوروبا.

ففي ألمانيا أضحى العداء للمسلمين، مثل العداء لليهود سلوكا يوميا. وبحسب وزارة الداخلية الألمانية بلغ عدد الهجمات التي طالت مسلمين أو رموزا إسلامية 1026 حالة في عام 2020، واستخدمت  شبكة الانترنت بشكل خاص كوسيلة أساسية في هذا الصدد.

وأظهرت نتائج تحقيق قام به المفوض الخاص لمجلس أوروبا المعني بشؤون معاداة السامية ومعاداة المسلمين دانييل هولتغن في قضية أبعاد خطاب الكراهية ضد المسلمين في ثمان دول أوروبية، ويركز التحقيق على 8 بلدان من مجموع 47 بلدا أوروبيا، وهي بلدان تعيش فيها أقليات مسلمة كبيرة نسبيا، مثل فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا والنمسا. وكشفت نتائج التحقيق أنه"بالنسبة إلى الجمعيات قد أصبح التهجم في الأنترنت مشابها من حيث خطورته للتمييز العنصري أو الإساءات اللفظية في الشارع".  ويضع هولتغن توصيفا لما يحدث بظهور "لغة قاسية" و"صارخة للغاية"، لغة تزداد عدوانية وتهديدا مع مرور الوقت.

(Christoph Strack. 2021)

بيد أن المسألة تأخذ طابعا خطرا في العالم العربي والإسلامي، حيث يصعب التحقق منها ولا توجد هيئات قضائية أو مهنية مستقلة لإجراء مثل تلك التحقيقات.  حيث تقوم مجموعات إسلامية متطرفة في العالم الإسلامي وحتى داخل المجتمعات الغربية ضد القيم القيم الغربية

ومهاجمة رواد في مجال التعاون والتفاهم بين الثقافات، واتهامهم بـ "خيانة" الثقافة الإسلامية.

 

ثالثا: ما هي فرص التأثير  في المعارف المتبادلة عبر الإعلام الرقمي؟

قوة تأثير الإعلام الرقمي تكمن أيضا في قدرته على الإدماج وإتاحة الفرص للمشاركة، وهو ما يتيح إمكانيات للتأثير في المحتويات المتداولة عبر قنوات الإعلام الرقمي. فما هي تلك الإمكانيات وما هو المجال الذي تتيحه؟

(1) الإعلام المواطن والإعلام الاحترافي.

(2) توظيف خاصية المشاركة والتفاعل.

(3) تأثير الفرد.

(4) التأثير الجماعي.

(5) بناء شبكات تفاعلية على أسس مضمونية:

تمكن خصائص الاعلام الرقمي من التأثير الجماعي وبناء منصات على أسس مضمونية من أجل التأثير الإيجابي في التطورات المجتمعية في العالم. وهنالك أمثلة من التجارب والمحاولات.

مثلا: شبكات تأثير عالمي من أجل التحذير من مخاطر التغيرات المناخية وضرورة حماية البيئة. التي تحولت من مبادرات عبر مواقع التواصل إلى ديناميكيات ضغط للرأي العام على صناع القرارات والسياسات في العالم.

في مواجهة ظاهرة الأخبار الكاذبة، شكلت كبريات هيئات الإعلام السمعي البصري الأوروبية تحالفا من أجل إقامة مختبرات لكشف الأخبار المضللة (الكاذبة) وتقديم منهجيات عمل إعلامي عبر آلية Faktencheck، لمساعدة الصحفيين في تغطياتهم وتعاملهم مع الأحداث الكبرى مثل المحطات الإنتخابية أو الأزمة الصحية ( جائحة كوفيد).

في تقاريره السنوية، يؤكد تحالف الحضارات التابع لأمانة الأمم المتحدة، أن العملية التواصلية والاعلامية تقع في صلب استراتيجيات التحالف من أجل حوار الحضارات، واقترح فريق الخبراء التابع للتحالف، إقامة منصات عالمية للتواصل الاجتماعي من أجل صناعة محتويات وتقديم عرض ينبذ فكرة الصدام بين الحضارات ويشجع على الحوار بينها.

ومثل هذه المبادرات تحتاج دعما وتشجيعا أيضا على المستوى المحلي والإقليمي، ففي سنوات التسعينيات لعبت مؤسسة الثقافات الثلاث (مقرها إشبيلية)  Fundación Tres Cultura

دورا نشيطا في الحوار بين الثقافات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة حيث سجلت تناميا لدور تكنولوجيا الإعلام الحديثة، وفي الوقت الذي بدت فيها علاقات الضفتين بحاجة أكبر إليها.

 

  1.      ببليوغرافيا

 

antisemitism: overview of antisemitic incidents recorded in the european union 2009-2019".. report published by fra’s predecessor, the european monitoring centre on racism and xenophobia. 2020. luxemburg.

carole cadwalladr and emma graham-harrison,(2018). ‘‘cambridge analytica and facebook: the scandal and the fallout so far‘‘. the guardian..

https://www.theguardian.com/news/2018/mar/17/cambridge-analytica-facebook-influence-us-election. consulted at el 21/10/2021.

christoph strack. (2021). "angriffe im netz, angriffe in der realität - sorgen der muslime in europa". dw.  ( https://p.dw.com/p/3w8wa ). consulted at 13.10.2021.

rozpedowski joanna. (2021). digital sovereignty in an era of global surveillance, disinformation, and info-demics. geopolitical monitor: situation reports. consulted at 15.10.2021.                                                                https://www.geopoliticalmonitor.com/digital-sovereignty-in-an-era-of-global-surveillance-disinformation-and-info-dhatics/  )

 

 

 

 

 

 

 

 


Copyright © 2024 MAGDE / All rights reserved.